بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد الطاهر الأمين وبعد،
فقد قرأت مقالا لبعض الجهال يحرمون فيه الذكر الجماعي، نظرت فيه فوجدته مخالفا لشرع الله تبارك وتعالى ولما كان لزاما واجبا علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح فيما بيننا، نصحت بما يلي فأقول طالبا من الله التوفيق فيما هنالك:
تحريم الذكر الجماعي أو الاجتماع على الذكر مخالف للدين معارض لما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في بيان استحباب ذكر الله جماعة ما رواه مسلم والترمذي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم:
خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما يجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده فقال انه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة.انتهىنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فكيف يكون ما مدحه الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة سيئة؟
وكذا ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ((وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه))
قال الإمام السيوطي: والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر.
وأخرج الأئمة أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال: ((مُر أصحابك يرفعوا أصواتهم بالتكبير)).
وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن ثابت البنابي قال: إن أهل ذكر الله ليجلسون إلى ذكر الله، واللهِ وأن عليهم من الآثام أمثال الجبال وأنهم ليقومون من ذكر الله تعالى ما عليهم منها شىء.
وهذا قدرٌ مختصر من عشرات الأحاديث الدالة على ذكر الله تعالى جماعة، وفي هذا كفاية لمن هو صادق في حبه لاتّباع النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما أثر الصحابي ابن مسعود رضي الله عنه فلا حجة فيه من وجوه أكتفي بذكر اثنين منها:
الأول: أنه لو ثبت فهو معارِضٌ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والاجتهاد لا يصح مع وجود نص.
الثاني: قال الإمام السيوطي: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض.انتهى
الثالث: أن الصحابي أبا موسى الأشعري قال: وما رأيت إلا خيرا. وهو من مجتهدي الصحابة، فلو كان بدعة معروفة عندهم لأنكره من دون الرجوع إلى ابن مسعود، لكن العلة في أولئك الناس أنهم كانوا أصحاب أوصاف مذمومة ظهر شرهم فيما بعد كما تقول الرواية، هذا إن صحت الرواية ولا نص على صحتها.
وأخيرا قال الإمام النووي ما مختصرُه: والجهر أفضل في غير خوف الرياء أو التشويش على المصلي أو إيذاء النائم، لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم.انتهى
وفي هذا أبين البيان أن الجهر بالذكر جماعة هو ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه، وبهذا يندفع القول بأن تسمية ابن مسعود له بدعةً لأنه ثبت مرفوعا فلا يكون بدعة ويكون قد غاب عنه كما غاب عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سنة الضحى، وقال بدعة وهي أحب ما أحدثه الناس إلى قلبي.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد الطاهر الأمين