عندما زار الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون غزة، وتناول الغذاء مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وضع المضيفون شوربة الخضار أمام الاخير لاعتياده على تناولها، وقدموا شوربة المشروم الى كلينتون الذي عمد الى تغيير الاطباق، لكن أبو عمار سارع الى تناول المشروم على مضد لأنه لم يكن يحل له تناولها".
لم يكن ذلك مشهدا مستوحى من الفيلم المصري "طباخ الريس" ، انما بعضا من الذكريات التي عاد بها الشيف (رزق أيوب) بصحبة "الرسالة نت" الى خمسة أعوام مضاها في منزل الرئيس عرفات يطهو له طعامه.
في رمضان عام 1995 حضر عرفات افطارا جماعيا عقد بمقر الجوازات بغزة، أشرف عليه أيوب الذي كان يعمل هناك، بعدها استدعى للدوام في منزل الرئيس ليعد له الطعام.
الشيف أيوب الذي درس الفندقة في فرنسا، كان يقضي معظم يومه في منزل أبو عمار كموظف يطهي طعام الرئيس وأسرته.
ويقول أيوب " نعد الطعام في منزل الرئيس، وعندما يكون في مقر عمله بالمنتدى الرئاسي، ينقل له هناك، واذا ما كان خارج القطاع، كنت أبقى على رأس عملي لإعداد الطعام لزوجته وبنته".
في بداية عمله كان الطعام الذي يعده أيوب يخضع لرقابة من قبل أطباء الرئيس، كما كان يجري فحصا طبيا شاملا كل ثلاثة أشهر، لكن مع مرور الوقت باتوا يتعاملون معه بثقة دون رقابة.
وأشرف الشيف ايوب على اعداد جدول الطعام اليومي بنفسه، ويقول " كانت جميع المأكولات متاحة للرئيس عرفات حتى عام 1999، وبعد تراجع وضعه الصحي أصبحت أنواع طعامه محدودة".
ومال عرفات في سنواته الاخيرة التي قضاها في غزة لتناول شوربات الخضار، وابتعد عن اللحوم والاسماك بشكل كبير.
وكان أيوب يطهي الطعام فيما يقدمه المضيف للرئيس، لكنه لا يتذكر اصرار عرفات أن يقدم التمور للعاملين في منزله عند رفع آذان المغرب في رمضان، قبل أن يتناول افطاره".
" يتعامل مع جميع الموظفين في منزله كأبنائه ويستجيب لجميع طلباتهم، ولم يعترض على طعام خلال عملي معه"، يقول الشيف، مؤكدا أن عرفات كان رجلا عمليا بامتياز، ومنشغلا طوال وقته.
ويتحدث عن أنه كان يساعد الجميع ولا يرفض اي طلب مساعدة يصله، ويحاول جاهدا تلبية احتياجات الناس.
وكان الرئيس الراحل يحبذ في سنواته الاولى التي عاشها بغزة تناول السلطة الفلسطينية أو "الغزاوية"، ويميل للأكلات الشعبية ، والفتة، والزعتر الفلسطيني، والمنتوجات الفلسطينية.
ويشدد أيوب على أن الرئيس لم يكن يتناول المنتوجات الاسرائيلية، ويرفض وجودها في منزله لاسيما المعلبات والمشروبات الغازية والعصائر.
ويقول "كنا نلاحظ على أفعاله وتصرفاته، رفضه لأي شيء له علاقة بالاحتلال، رغم توفر تلك المنتوجات بغزة بكثرة بسبب المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال".
وكان الارهاق يبدو على الرئيس عرفات بشكل دائم بسبب سفره المتكرر، ويحرص على تناول شوربة العدس، والفريكا، والخضار، والسلطات، كغذاء أساسي له.
ويتذكر الشيف أيوب الرئيس عرفات عندما كان يدخل للمطبخ أحيانا لتناول طعام بشكل سريع، ويصر على أكل فتات الخبز الذي يجده.
ويشير الى أن زوجة عرفات وابنته كانتا تتناولان جميع أنواع المأكولات بشكل طبيعي، سواء اللحوم ، والمطبوخات المتوفرة بالسوق، والدجاج.
بقي "طباخ الريس" في خدمته حتى غادر غزة بعد اندلاع انتفاضة الاقصى بما يقرب العامين واستقر في رام الله، وتابع أخبار حصاره في مقر المقاطعة، ومرضه.
وصدم أيوب بخبر وفاة الرئيس حتى تمنى كما يقول أن يموت هو وأولاده ويبقى عرفات حيا... كان قائدا للثورة، ورمزا للشعب الفلسطيني، وشعاره دائما بالروح بالدم نفديك يا فلسطين، كان يتمنى أن يرى فلسطين محررة ، ويتحقق حلمه بأن ترفع زهرة من زهرات فلسطين، أو شبل من أشبالها علم فلسطين فوق أسوار القدس...
لا زال الشيف أيوب يحمل في ذهنه وبين يديه ألبوم صور تلخص ذكرياته الجميلة مع الرئيس الراحل، والحزينة على بعده وفراقه.